الثلاثاء، 3 يوليو 2012

مرسي رئيسا .. تحديات على مكتب القصر


ا يتصور أحد أن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، كان في غفلة عن المشكلات التي كانت تعيشها مصر خلال سنوات حكمه، فذلك مما يخالف واقع المستبدين والظالمين، الذين يحرصون على متابعة كل صغيرة وكبيرة، غير إن ضمائرهم ومشاعرهم لا تتحرك مطلقا في اتجاه تغييرها، أو التخفيف من وطأتها على الجماهير، بل على العكس من ذلك، فإنه في أحيان كثيرة، يكون المستبدون هم الصانعون لهذه المشكلات، مصداقا لقوله تعالى }إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين{ ) ص: 516(،  فالمستبد يسعى بكل ما أوتي من قوة، إلى فرض هيمنته وسيطرته على العباد، حتى يظلوا في حالة طاعة دائمة، ليس بمقدور أحدهم أن يتفرد أو ينطق لسانه بقول "لا".
لقد كان مبارك وزمرته يدركون جيدا معاناة الشعب المصري، عبر تلك التقارير التي تصل إليه يوما بيوم بل ولحظة بلحظة، ومن خلال إطلاعه أيضا على الصحف، التي كانت تنشر ملمحا من تلك المعاناة، لكن كل ذلك لم يحرك فيه شعرة واحدة، وكان دائم اللوم على الشعب المصري، الذي ـ وبحسب وصفه ـ لا يكف عن الإنجاب، في حين لم يفكر فخامته أو حتى أعطى لنفسه فرصة التفكير، في كيفية الاستفادة من التزايد السكاني في مصر، مستحضرا تجربة الصين التي زاد عدد سكانها عن المليار وربع المليار، ومع ذلك استطاعت أن تحقق معجزة اقتصادية أبهرت العالم، وأثبتت أن الثروة البشرية لا يعادلها أية ثروة طبيعية أخرى.
والخلاصة، أن المشكلات والأزمات الحياتية، كانت جزءا لا يتجزأ من فلسفة مبارك وطغمته في الحكم، حتى يبقى الشعب المصري ملهيا بسد احتياجاته المعيشية، وتوفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة، من مأكل وملبس ومسكن وغير ذلك،  فذلك هو الضمانة الوحيدة، حتى لا يولي المصريون أي اهتمام بالحياة السياسية، أو يسعون لتغيير الأوضاع، وهو ما نجح فيه النظام المباركي إلى حد كبير، عبر سنوات طالت، إلى أن حانت اللحظة التي لم يعد يمكن للمصريين فيها الصبر والاحتمال، فانفجرت ثورتهم وتعالت أصواتهم، وتنافست أرواحهم ونفوسهم على التضحية، من أجل ابتعاث مصر من جديد.
وكان من بين هذه الأزمات، ما ذكرناه في المقال الأول من هذه السلسلة، والذي اشتمل على وجه الخصوص على قضيتين، هما: (العلاقة بين الأجهزة الأمنية والمواطنين وقضية المصالحة الوطنية) في حين سنحاول أن نتطرق في هذا المقال، إلى قضايا داخلية أخرى، نرى أنها ذات أهمية قصوى، تستدعي أن يضعها الرئيس الجديد في مقدمة أولوياته ومنها.
3- تردي الأوضاع الاقتصادية، وهو ملف في غاية الأهمية يرقى لدى العديد من القطاعات الشعبية، إلى كونه المعيار الذي على أساسه يتم تقييم قدرات وكفاءات القيادة السياسية، إذ لا تستشعر هذه القطاعات أي رغبة داخلية للمشاركة السياسية، أو حتى متابعة الحياة السياسية، فالأهم لديهم هو الاستقرار الاقتصادي، الذي يمنحهم فرصة الحياة الأفضل  .
والرئيس الدكتور مرسي يعلم جيدا ـ حتى من قبل توليه لموقع الرئيس ـ مدى أهمية هذا الملف، وهو ما دفعه إلى أن يخصه بالذكر ـ دون سواه ـ في خطابه بجامعة القاهرة، إذ قال: "إن مصر في حاجة إلى إزالة الفوضى في كل المجالات، خاصة في المجال الاقتصادي"، وهو ملف ليس بسيطا، إذ يرتبط بملفات أخرى، كل منها يعد قضية كبرى تشمل داخلها تفاصيل وجزئيات، تمتد بامتداد التاريخ المصري الحديث.
فالبطالة واحدة من هذه الملفات، بعد أن وصلت معدلاتها لأكثر من 12 % من حجم قوة العمل، البالغة نحو 27 مليون نسمة، بما يعني أن عدد العاطلين عن العمل ـ ووفقا للإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ـ وصل لأكثر من ثلاثة ملايين عاطل.
ولا تنحصر أزمة العاطلين بطبيعة الحال، في كونهم لا يعملون، إذ يكون لهذه البطالة انعكاساتها الاجتماعية الرهيبة، فهي أولا تعمل على زيادة العنوسة، لإحجام العاطلين عن الزواج لعدم تمكنهم من توفير احتياجاته، وهي أيضا سبب مباشر في ارتفاع معدلات الطلاق، إذ يستشعر رب الأسرة العاطل عن العمل، عدم قدرته على الوفاء بالالتزامات الأسرية، فيكون أول ما يقوم بفعله هو التخلي عن المسئولية الأسرية.
ولا يمكن أن نتغافل عن أثر البطالة، على ارتفاع معدل الجريمة وانتشار تجارة المخدرات والعشوائية في أعمال التجارة، التي أصبحت في ذاتها ملفا يحتاج لجهد كبير جدا، لتنظيمها وإعادة هيكلتها.
كما يعد ارتفاع الأسعار بلا ضوابط وبلا مراعاة لمعدلات الزيادة في الأجور، إشكالية لها سلبياتها الخطيرة، فهي أولا تفتح الباب أمام عدم إتقان العمل، بعد أن تسعى قوة العمل للبحث عن بدائل أخرى، تزيد بها معدلات الدخول، وهو ما يفسر ظاهرة قيام المواطن المصري بأكثر من عمل في يومه، وهي ثانيا تعطي مبررا للموظفين والعاملين بالقطاعات الحكومية، لمد اليد وأخذ الرشاوى، الباب الخلفي للفساد والمحسوبية، وهي ثالثا تعلي من شأن طبقات اجتماعية على المستوى الاقتصادي بلا أي جهد حقيقي.
والحقيقة، أنه لا تساورني لحظة شك واحدة، في أن الدكتور مرسي الذي جاء بإرادة شعبية، والذي كان وما زال يحيا كأغلبية الشعب المصري، تدلل على ذلك المظاهر المعيشية لأشقائه وشقيقاته، في قريته البسيطة بمحافظة الشرقية، لن يتهاون أو يتراخى في إحداث الاستقرار الاقتصادي، وإشعار المواطنين بالتنمية الحقيقية، بعيدا عن زيف وخداع الأرقام، الذي طالما تستر خلفه نظام البائد مبارك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق