الثلاثاء، 3 يوليو 2012

الاخوان


موجة من الحر الشديد اجتاحت مدينة تولوز بفرنسا على مدى يومين ثم هطلت الأمطار فلطفت الجو . أكتب هذا المقال من حجرتي في الفندق وأرى من النافذة الميدان الكبير حيث يتجول مئات الفرنسيين الذي…ن يحضرون فعاليات مهرجان " سباق الكلمات " وهو من أكبر مهرجانات الأدب في فرنسا .مدير المهرجان اوليفييه دارفور مثقف فرنسي كبير يرأس في نفس الوقت اذاعة فرنسا الثقافية وتساعده مجموعة عمل كلهم شباب فرنسيون ومعهم فتاة مصرية صارت معروفة هنا في فرنسا هي داليا حسن . قررت ادارة المهرجان هذا العام اختياري كضيف الشرف في هذه الدورة ، تم تكريمي على مدى أيام واشتركت في ندوات عديدة ثم خصصت لي أمسية قرأت خلالها الممثلة الفرنسية الشهيرة " أريان أسكاريد " مقاطع من أعمالي أمام الجمهور . بالاضافة الى سعادتي الشخصية بهذا التكريم فأنا فخور لأن كاتبا مصريا تم اختياره ضيفا للشرف وسط مجموعة من أهم الأدباء في العالم .

الفرنسيون يتابعون مايحدث في مصر باهتمام بالغ وهم يعتقدون أن مصر هي التى ستحدد شكل المستقبل في العالم العربي كله . وصول محمد مرسي الى الرئاسة أثار جدلا شديدا بين الفرنسيين : بعضهم يرون أن وصول الاسلاميين الى السلطة ( حتى لو كانوا منتخبين ) في اى بلد يشكل كارثة .

هؤلاء يعتقدون ان مصر برئاسة مرسي ستتحول الى ايران أخرى حيث يتم استبدال الديكتاتورية الدينية بالديكتاتورية العسكرية ويؤكدون أن الأقليات والمرأة والفنانين هم أكثر من سيدفع ثمن الدولة الدينية .

البعض الآخر ( وهم الأكثر تحررا ومعظمهم يساريون ) يرون أنه يجب احترام ارادة المصريين مهما تكن النتائج وأن مرسي رئيس منتخب ولابد من التعامل معه واعطاؤه فرصة قبل الحكم عليه كما أن دخول الاسلاميين الى النظام الديمقراطي سيدفعهم الى الاعتدال ويمنعهم من التطرف والعنف .

دافعت عن هذا الرأى الأخير وأكدت لهم أن وجود رئيس اسلامي لا يعنى بالضرورة اقامة دولة دينية و أن الاحزاب الاسلامية في النظام الديمقراطي ستكون أقرب الى الاحزاب اليمينية المسيحية في المانيا وسويسرا .

استمعت الى خطاب الرئيس مرسي في ميدان التحرير فأعجبني لأنه كان واضحا وصادقا وتفاءلت خيرا لكننى تابعت الاحتفال الذى حضره في جامعة القاهرة فانزعجت لأن الرئيس بدا وكأنه يتراجع عن مواقفه السابقة .

لقد وعد الرئيس باستعادة حقوق الشهداء وأوضح أنه لايقصد فقط الشهداء الذين سقطوا أثناء الثورة وانما يقصد أيضا شهداء المذابح التى حدثت تحت حكم المجلس العسكري مثل العباسية ومحمد محمود وماسبيرو ومجلس الوزراء وبورسعيد..

استعادة حقوق الشهداء لا تكون فقط بتعويضهم ماديا وانما باجراء محاكمات عادلة لمن تورطوا في قتلهم . هنا لايمكن اعفاء المجلس العسكري من مسئوليته السياسية عن كل هذه المذابح .

لذلك اندهشت عندما سمعت الرئيس مرسي يطالب بتكريم أعضاء المجلس العسكري تقديرا لادارتهم الحكيمة للمرحلة الانتقالية .

في ظل هذه الادارة الحكيمة تم قتل العشرات من شباب مصر بالرصاص ودهسهم بالمدرعات وتم فقء عيون العشرات بالخرطوش وسحلت البنات وهتكت أعراضهن وكل هذه الجرائم موثقة ومسجلة بالصوت والصورة .

كيف سيستعيد الرئيس مرسي حقوق الشهداء وهو ينادي بتكريم المسئولين سياسيا عن قتلهم ..؟!

لقد وقع الرئيس في تناقض عجيب .

هناك تراجع آخر : فقد أعلن الرئيس من قبل رفضه القاطع للاعلان الدستوري الذى يعطى صلاحيات الرئيس للعسكر ويفرغ الديمقراطية من مضمونها ويجعل رئيس الجمهورية أقرب الى سكرتير المشير طنطاوي ..

لكننا فوجئنا بالرئيس يؤدي القسم امام المحكمة الدستورية تماما كما يقضى الاعلان الدستوري الذى يرفضه ثم تكلم في جامعة القاهرة فلم يشر بحرف الى رفضه للاعلان الدستوري الذى قضى ملايين المصرين أياما عديدة معتصمين في الميادين من اجل اسقاطه..

لا يجب ان نتسرع في محاسبة الرئيس مرسي و لايجب ايضا ان نسكت ونحن نلاحظ انه بدأ بالفعل يتراجع عن مواقفه .

هناك مشكلة حقيقية في سلوك الاخوان المسلمين السياسي فهم لا يرون الفرق بين مصلحة الجماعة ومصلحة الوطن وبالتالي يسعون دوما الى تحقيق مصالحهم السياسية بغض النظر عن تأثير ذلك على الشعب والوطن وقد أدى ذلك المفهوم الى تورط الاخوان في التحالف مع كل حكام مصر بدون استثناء واحد بدءا من الملك فاروق وحتى المجلس العسكري ..


الاخوان بطبيعتهم قوة سياسية محافظة اصلاحية غير ثورية تتحاشى الصدام مع السلطة بأى طريقة وتسيطر على قياداتها هواجس من أن الصدام مع الحاكم سيؤدي للقضاء على الجماعة وهم يميلون دائما الى عقد التحالفات والصفقات السرية التى تحقق مصالح الجماعة كما أنهم في حضرة السلطان تعتريهم حالة من الليونة في المواقف تجعلهم يتصرفون في حدود ما يسمح به الحاكم


وقد رأينا ذلك في احتفال جامعة القاهرة عندما ظهر سعد الكتاتنى الذى ملأ الدنيا اعتراضا على قرار المشير طنطاوي بحل مجلس الشعب وأكد أنه يرفض هذا القرار ويعتبره غير شرعي بل انه حاول أن يدخل الى مجلس الشعب متحديا قرار المشير لولا أن منعه رجال الأمن . وبعد هذه الحرب الكلامية الضروس تغير موقف الكتاتنى في جامعة القاهرة وما أن رأى المشير طنطاوي حتى تهللت أساريره وابتهج وكاد يقفز فرحا كأن شيئا لم يكن ….


نفس الليونة السياسية رأيناها في مجلس الشعب الذى حاول أعضاؤه من الاخوان ارضاء المجلس العسكري على حساب الثورة وكلنا نذكر كيف صفق الاخوان عندما اتهم أحد الاعضاء الثوار بانهم بلطجية ومدمنى مخدرات ونذكر كيف ترك الاخوان الثوار يقتلون في محمد محمود حرصا منهم على رضا المجلس العسكري وكيف اتهموا المتظاهرات اللاتي انتهكت أعراضهن باتهامات مشينة بل ان هناك مشهدا فريدا لا أظنه حدث قط في تاريخ البرلمانات فقد اكتشف أعضاء مجلس شعب ضابطا في أمن الدولة مندسا بين الجماهير يحرضهم على اقتحام مجلس الشعب وهاج أعضاء المجلس وماجوا واستمروا في الصياح حتى كادت القبة تسقط على رؤوسهم من فرط الضجيج وطالبوا بحضور وزير الداخلية فورا لمحاسبته بشدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق